شبكة قدس الإخبارية

العيّاش حيٌّ .. لم يمُت 

81474601_3870663886284465_6533379576364531712_n

فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية : أربعة وعشرون عاماً مرت على استشهاد المهندس يحيى عياش، أحد أبرز قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام، ومهندسها الأول.

يحيى عياش وُلد عام 1966 في بلدة رافات غربي مدينة سلفيت، واستُشهد عقب اغتياله من خلال وضع مواد متفجّرة في هاتفه النّقال عام 1996 في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة.

"المهندس" - كما كان يُلقّب- كان المسؤول عن عشرات العمليات الفلسطينية في القدس والداخل الفلسطيني المحتل، والتي أدّت إلى مقتل ما لا يقل عن 70 إسرائيليًا (ما بين جنود ومستوطنين)، وإصابة أكثر من 280 آخرين، إضافة للخسائر التي خلّفتها العمليات التفجيرية والتي قُدّرت بملايين الدولارات.

حصل القائد العسكري القسامي على شهادة الهندسة من جامعة بير زيت عام 1993، ومنذ ذلك العام وحتى استشهاده كان "عياش" مُطاردًا من قبل جهاز "الشاباك"، بعد اكتشافه لمن يقود العمليات في القدس والداخل ما بعد عام 1991.

تزوّج عام 1991 من ابنة خالته هيام عيّاش، وكان له منها براء وعبد اللطيف (يُنادونه باسم والده يحيى، حيث كان عمره ثمانية أيام قبيل استشهاد والده)، وتنقّلت "أم البراء" مع زوجها عياش من مكان لآخر، ومن بيت إلى بيت وهي على استعداد كامل لفعل أي شيء من أجل إرضاء "المجاهد أبو البراء".

في الانتفاضة الأولى، كانت بداية "العياش" (ما بين عامي 1990 و1991)، حيث استطاع تصنيع مواد متفجّرة من مواد كيماوية أوّلية تتواجد في الصيدليات، وكانت العملية الأولى التي قام بها، تفجير مركبة في "رامات أفعال" بتل أبيب وسط الداخل الفلسطيني المحتل عام 48، ليُصبح على قائمة المطلوبين للاحتلال، كما أعقب العملية مطاردته من قبل أجهزة "الشاباك" وتحقيقات قاسية طالت العشرات من أعضاء حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

اغتيل العياش يوم الجمعة، في الـ 5 من كانون ثاني/ يناير 1996، حيث وضع له جهاز "الشاباك" مادة متفجرة وصلت إلى 50 غرامًا في هاتف محمول كان يستخدمه، حيث كان عياش في انتظار مكالمة من والده، وعن بعد تم تفجير الهاتف من خلال طائرة كانت تحلق في الوقت ذاته، وشارك في تشييع جثمان "أبو البراء" أكثر من 100 ألف فلسطيني.

استطاع العياش أن يبتكر نقلة نوعية في العمل المسلح خلال الانتفاضة، وهذا ما جعله مميزًا من بين الشهداء، فقد كان دائم الابتسامة، يقلق ويخاف على عائلته، لأنه يعلم تمامًا بأن الاحتلال لن يصله، لكن باستطاعته الوصول إلى ذويه، و"التنغيص" على حياتهم، وهذا ما كانت ترويه “أم البراء” خلال مقابلاتها الصحفية.

بعد كل عملية يقوم بها العيّاش، كان جيش الاحتلال يقتحم المنزل كما جرت العادة، وفي إحدى المرّات قال لها أحد الضبّاط: "أتعلمين ماذا سأفعل به حينما أجده؟، لن أقتله بل سأقوم بزجّه في مركبتي، وأمشي به في شوارع تل أبيب، حينها سأقتله، وسأقطّعه، وسأوزع أشلاءه تلك على كل من آذاه زوجك".

لكّن ردّها كان في الصميم: "أنتم تؤمنون بالجسد، لكننا نؤمن بالروح.. فافعل بجسده ما تشاء”، هكذا حدّثتنا “أم البراء”.

وتستذكر أيضًا أيام مطاردته، فقد كانت حافظة عن ظهر قلب كلماته، طريقة كتاباته، دقّاته المميزة على الشباك، ووقع أقدامه عندما يقترب من الباب، وألفاظه التي تبعث على النفس البهجة حينما تستذكرها، وتقول: "كان أبو البراء يحب الشاي كثيرًا، ودائمًا ما كان يقول لدى وصوله البيت: "اعملولي شاي".

أنجبت هيام عياش من القسامي، براء ويحيى "عبد اللطيف" حيث ربّتهم على مبادئ العيّاش، فهو “حيٌّ بيننا لم يمت”، كما قالت، وتُضيف “والله إنني أراه في أولاده، في نظراتهما، حركاتهما، تصرّفاتهما".

تحدى عياش الظروف رغم صعوبتها ولم يستسلم للواقع، وفرض معادلته الخاصة وسبح عكس تيار التسوية الذي ساد آنذاك، آمن بفكرة المقاومة وفلسفتها وتشرب معانيها وضحى من أجلها، وامتاز بصدق نيته وإخلاصه وبساطته، إضافة لهدوئه الذي كان يخفي خلفه إعصارًا.

كان عياش قليل الكلام كثير الفعل، واستطاع الإفلات من قبضة المخابرات الإسرائيلية وجيش الاحتلال عدة مرات، وبقي متواريًا عن الأنظار أكثر من ثلاث سنوات؛ في واحدة من أكبر عمليات المطاردة التي نفذها الاحتلال.

ولم تمنعه المطاردة من مواصلة عمله، رغم أن دولة الاحتلال كلفت كافة وحداتها للبحث عنه في جبال وكهوف الضفة المحتلة، حيث تمكن بعد مطاردته بأيام وتحديدًا في 16 نيسان/ أبريل من تجهيز سيارة مفخخة أخرى قادها الفدائي ساهر تمام داخل مقهى "فيلج إن" الذي يرتاده جنود الاحتلال في مستوطنة "ميحولا" القريبة من مدينة بيسان المحتلة، فقُتل اثنان وأصيب ثمانية وهي أول عملية استشهادية تنفذها "كتائب القسام".

وفي ظل اشتداد ملاحقة عياش والإعلان عن مشاركة الآلاف من جنود الاحتلال بالبحث عنه في كل مكان بالضفة الغربية، نجحت "كتائب القسام" في نقله إلى قطاع غزة، وذلك بعد أن درّب العشرات من المهندسين في الضفة.

نجح الاحتلال في اغتيال الشهيد القائد يحيى عياش، لكنه فشل في استئصال ما زرعه من مقاومة باتت اليوم أقوى عوداً، وأشد صلابة، وأقرب إلى التحرير.

مؤخراً، نشرت القناة 13 العبرية آخر مكالمة أجراها الشهيد عياش مع والده عام 1996، كتب نجله براء حينها: “اليوم، ولأوّل مرة، سمعت صوت والدي”.